إن المؤتمر الوطني الخامس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، المنعقد بالرباط أيام 16-17-18 ماي 2003 تحت شعار "من أجل حماية الانتقال الديموقراطي والشرعية الدولية والسلم العالمي"، وعلى امتداد ثلاثة أيام من الحوار الديموقراطي الشفاف من خلال محاور الندوة الفكرية المخصصة للتناظر في قضايا:
- المحيط الدولي وقضايا الأمن وحقوق الإنسان.
- حركات الإسلام السياسي وقضايا حقوق الإنسان.
- الحقوق اللغوية والثقافية وقضايا الاستراتيجية.
- الحريات العامة بين الضمانات القانونية والممارسة.
- العمل الحقوقي المشترك وقضايا التسوية العادلة لماضي الانتهاكات الجسيمة بالمغرب.
وبعد تميز الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بكلمة فلسطين التي جددت الإصرار على مواصلة النضال من أجل أن لا تعرف المنطقة العربية هنودا حمرا في القرن الجديد.
وبعد كلمات التضامن والالتزام الحقوقي المشترك دوليا وإفريقيا وعربيا ومغاربيا.
وبعد كلمة تجديد العهد على العمل الحقوقي المشترك المحكوم بأخلاق المناضلين وتبصر القياديين الحقوقيين ببلادنا، قدم التقريران الأدبي والمالي للمصادقة.
وبعد مناقشة التوجهات الاستراتيجية للمنظمة، ومقترح تعديلات القانون الأساسي.
توقف المؤتمرون أمام موضوع العمليات الإرهابية الإجرامية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء ليلة 16 ماي 2003 ، والتي اتخذ المؤتمر بشأنها قرارا يقضي بمتابعة تداعياتها، وإدراج موضوع الإرهاب ضمن القضايا الاستراتيجية للمؤتمر، ثم التحق المؤتمرون بمسيرة التضامن مع ضحايا هذه العمليات الإرهابية.
- إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تعلقا منها بالسلم العالمي والشرعية الدولية.
- واعتبارا لكونها قد تأسست على مرجعية ترتكز على قيم الكرامة الإنسانية المتأصلة، والحرية والمساواة والعدل التي يكرسها الإسلام، وإعلانات، واتفاقيات القانون الدولي لحقوق الإنسان.
- واعتبارا لتقيد عملها بنص الدستور، الذي لم تفتأ تعمل على الدعوة إلى مراجعته في اتجاه تقوية الأسس الديموقراطية للدولة، ودسترة الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان بما في ذلك استقلال القضاء.
- واعتبارا للتكامل والترابط بين إقرار حقوق الإنسان وتدعيم القانون بصفتها نظام الحكم الكفيل بتأمين الاستقرار والتنمية والتدبير العادل والسلمي للنزاعات والاختلاف داخل المجتمع.
- واعتبارا لكون هذه الحقوق والحريات يجب أن تحترم، وتضمن ممارستها دون انتقائية، بعيدا عن العنف المادي والإرهاب الفكري وعدم التسامح، لأنه لا يحق لأي فرد أو مجموعة أن تدعي امتلاك الحقيقة واحتكارها، فبالأحرى فرضها.
فإن المؤتمر الوطني الخامس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان
1- دوليا :
- يندد بنظام الهيمنة الدولية التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرضه على العالم لإقامة سياسة متعارضة كليا مع كل المكتسبات والقواعد المنظمة للشرعية الدولية، ومنظومة القانون الدولي لحقوق الإنسان التي أقرتها البشرية بعد عقود طويلة من الكفاح الدؤوب ضد الظلم والاستبداد والاستعباد والقهر.
- يدعو دول العالم إلى ضرورة الالتزام - أكثر من أي وقت مضى - بميثاق الأمم المتحدة وإصلاحه بما يضمن دمقرطة مجلس الأمم، ومراقبة شرعية قراراته واحترامها لمبادئ وقواعد الميثاق.
- يدعو إلى الالتزام بمنظومة القانون الدولي لحقوق الإنسان خاصة القانون الدولي الإنساني باعتبارها سبيلا للحد من استمرار العدوان ومنطق الاستعمار الجديد.
- يعلن عن تأييده ومساندته للحركات التضامنية للمجتمع المدني عبر العالم مع الشعب العراقي ضد العدوان الأنجلو أمريكي، ويثمن عاليا وقوف دول عظمى في أوربا وروسيا وآسيا دفاعا عن السلم والشرعية الدولية.
2- إقليميا :
- يندد بالسياسة العدوانية الاستيطانية والتدميرية لإسرائيل ضدا على حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، وبناء دولته الوطنية، وضدا على كل قرارات الشرعية الدولية : قرار 242 و 338 القاضي بحق العودة.
- يجدد تضامنه اللامشروط مع كفاح الشعب الفلسطيني، وفي إطار سلطته الوطنية وقواه الديموقراطية والحقوقية والمدنية، باعتبار ذلك الكفاح مقاومة وطنية أصيلة ومشروعة بإقرار المنتظم الدولي منذ أزيد من ثلاثين سنة.
- يندد بالعدوان الهمجي الذي استهدف شعب العراق وحضارته وتاريخه بطريقة غير مسبوقة ومكن العدوان العسكري الأنجلو أمريكي من تكريس الهيمنة المباشرة على المنطقة، وتحكم في أحوالها ومقدراتها ومصيرها السياسي والاجتماعي خدمة للمصالح الإسرائيلية. ويعتبر هذا العدوان خرقا للشرعية الدولية وللقانون الدولي.
- يدعو الأمم المتحدة ولاسيما الجمعية العامة إلى اتخاذ موقف ينص على ضرورة إنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب العراقي من تقرير مصيره في أسرع وقت بإقامة نظام حكم ديمقراطي وتأكيد سيادته الدائمة على ثرواته.
- يدعو الحكام العرب إلى مراجعة اختياراتهم من حيث إقرار الديموقراطية، وحكم القانون ووضع حد لكل الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تشهدها المنطقة العربية.
- يدعو الجامعة العربية إلى مراجعة آليات عملها، وعلى رأسها الاتفاقية العربية لحقوق الإنسان والإقرار بدور وازن لفعاليات المجتمع المدني العربي عموما، والحقوقي على وجه التحديد.
3- جهويا :
- يدعو الدول المغاربية إلى وضع حد لسياسات الاستنزاف والتوتر، والنزاعات المفتعلة التي أضاعت فرصا ووقتا طويلا من أجل بلورة أهداف وطموحات الاستقلالات الوطنية منذ ما يزيد عن نصف قرن.
- يناشد السلطات الجزائرية على احترام اتفاقية جنيف والعمل على إطلاق أسرى الحرب المغاربة المحتجزين في تندوف.
- يدعو الاتحاد الأوربي إلى تفعيل اتفاقية الشراكة مع بلادنا في نطاق مسلسل برشلونة تعزيزا للديموقراطية، وإعمالا للحق في التنمية وقطعا مع كل سياسة عنصرية تكرس كراهية الأجانب.
- تطالب بالعدول عن كافة الإجراءات المتخذة بخصوص أوضاع المهاجرين، والتي تمس كرامتهم وتتناقض مع مقومات الدولة العصرية الحديثة، دولة القانون.
4 - وطنيا :
واعتبارا لإقرار المؤتمر الخامس للمنظمة بانفتاح أول إمكانية جدية في تاريخ المغرب الحديث، وضمن مسلسل طويل ومعقد من أجل الدمقرطة وانتصار قيم الحرية والكرامة الإنسانية وحكم القانون، مسلسل لم يأت صدفة أو منحة بل بفعل الإرادة العليا للدولة، ونضال وصمود الحقوقيين والديموقراطيين في بلادنا لأكثر من ثلاثين سنة، وبفعل تأثيرات الظرفية الدولية.
واعتبارا لكون المنظمة قد اختارت دون تردد الدفع بالانتقال الديموقراطي المعقد والمتشعب المسالك فوق أرضية هشة، وواصلت انخراطها بفعالية ميدانية حول كل القضايا الإشكالية التي أثارها هذا الانتقال الديموقراطي.
ونظرا لاستقلالها التام عن الدولة وعن الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين.
ونظرا لتشبثها بمبدأ الحوار مع كافة المؤسسات والأطراف المسؤولة أو المهتمة بقضايا حقوق الإنسان.
واعتبارا لكل المناقشات الجادة التي خصت موضوع العمليات الإرهابية الإجرامية التي عرفتها الدار البيضاء وقررت المؤتمر التصدي لها.
واعتبارا للعزم الراسخ على النهوض بالحياة المؤسساتية الداخلية للمنظمة.
فإن المؤتمر الخامس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان يعتبر:
أن حماية الانتقال الديموقراطي لبلادنا يحتاج إلى تدابير تضمن تعزيز كل المكتسبات، والتقدم المحرز في مجال حقوق الإنسان حتى لا تنتكس مسارات هذا الانتقال، ومن أجل ضمان استقرار البلاد، وإقرار أمنها، وأمن مواطنيها، ضد كل محاولات تقويض الأماني والتطلعات التي فتحها التطور الإيجابي للعشرية الأخيرة، وقطع الطريق أمام خصوم الديموقراطية، ومروجي الفكر الإرهابي وممارسيه.
أن التحديات التي تواجهها البلاد، ومتطلبات انتقالها الديموقراطي تسائل جميع العائلات المذهبية والسياسية وسائر الأفراد.
أن الدستور قابل للمراجعة ويحتاج بدوره إلى تأصيل دستوري حماية للحقوق والحريات وباعتباره الإطار الوحيد الذي ينظم فصل السلط وسير المؤسسات، وأسس العلاقة بين الدولة والمجتمع حتى يتمكن الجميع من المساهمة العملية في تدبير الشؤون العامة في إطار يحترم الحق في الاختلاف في حدود احترام حقوق وحريات الجميع.
- يجدد المؤتمر الخامس للمنظمة إدانته الشديدة والمطلقة للعمليات الإرهابية الإجرامية التي شهدتها الدار البيضاء ليلة 16 ماي 2003، ويتضامن مع أسر وعائلات الضحايا مغاربة وأجانب، ويطالب بضرورة فتح حوار وطني واسع بين السلطات العمومية وكافة القوى الديموقراطية ومكونات الحركة الحقوقية وفعاليات المجتمع المدني وسائر الفاعلين السياسيين والمهنيين حول السبل الكفيلة للتصدي للإرهاب، وتطويق انتشاره في أفق صيانة ووقاية أمن وسلامة المواطنين، وضمان استقرار البلاد في نطاق حكم القانون واحترام حقوق الإنسان. وفي هذا الإطار فإن المؤتمر:
- يدعو البرلمان إلى إجراء حوار داخله بين مختلف المتدخلين حول المشروع المتعلق بقانون الإرهاب وبمراعاة كافة المؤاخذات ذات الطابع القانوني والحقوقي وعلى قاعدة التحديد الدقيق لمفهوم الإرهاب باعتباره جريمة تستهدف أمن وممتلكات واستقرار المواطنين، والأمن بكل أبعاده الإنسانية والاجتماعية في ظل حكم القانون.
- يسجل عودة الهاجس الأمني، والمقاربات الأمنية الضيقة التي بلغت ذروتها في حملات الاختطافات الأخيرة التي باشرتها أجهزة المخابرات أكبر مؤشر حافز على حماية حقوق الإنسان، وبالنتيجة حماية الانتقال الديموقراطي.
- يسجل أن المقاربة الأمنية التي تجسدت في الاختطافات شكلت تراجعا عن الضمانات، وخرقا لحقوق الإنسان فضلا عن أن هذه المراقبة الأمنية وحدها غير فعالة، وأنه يجب أن تتم بمراعاة دولة الحق والقانون.
والمؤتمر إذ يرفض الحياد السلبي والوقوف موقف المتفرج إزاء الخروقات يؤكد - انطلاقا من الاقتناع الراسخ بالترابط العضوي بين حقوق الإنسان والديموقراطية التي أقرها مؤتمرها التأسيسي منذ أزيد من أربع عشرة سنة - أن أوضاع حقوق الإنسان تتطلب أكثر من أي وقت مضى الدفع بالانتقال الديموقراطي، وحمايته باعتباره مدخلا لضمان الحريات، وضمان ممارستها، واستقرار البلاد، والأمن بكل أبعاده.
يدعو إلى وضع استراتيجية شاملة ومندمجة في مجال حقوق الإنسان والسياسات العمومية والخاصة المرتبطة بها، استراتيجية تقوم على:
- التأصيل الدستوري للحريات والحقوق، من حيث فصل السلطة، وتعزيز السلطة القضائية.
- استكمال التسوية العادلة والمنصفة لماضي الانتهاكات الجسيمة على قاعدة حوار جدي ومسؤول مع هيئة المتابعة، إعمالا لتوصيات المناظرة ومطالبها العادلة، فيما يخص الكشف عن مجهولي المصير، والاعتذار، وإحداث الهيئة المستقلة للحقيقة، وباقي المطالب العادلة للضحايا والمجتمع.
- يدعو إلى وضع حد لسياسة التردد والتهميش التي طبعت التعامل مع قضية وحقوق المرأة، باعتبارها قضية مصيرية تهم تحديث الدولة والمجتمع، والتعامل معها وفق رؤية شاملة في بعديها القانوني والتنموي، والرفع من دينامية العمل، والمساهمة في تطوير المطالبة بإعادة الاعتبار لخطة إدماج المرأة في التنمية، ووضع حد للشلل الذي طبع وما زال يطبع أشغال اللجنة المكلفة بمراجعة مدونة الأحوال الشخصية.
- يدعو إلى تفعيل خطة محاربة العنف ضد النساء، واستكمال مسلسل ملاءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية ذات الصلة، ورفع التحفظات المخالفة لأحكامها.
- يدعو إلى مواصلة وتعميم مشروع إدماج قضايا حقوق الإنسان في النظام التربوي.
- يدعو المؤتمر البرلمان إلى مراعاة ملاحظات الحركة الحقوقية المغربية، ورجال القانون وضرورة مراعاة القوانين الدولية لحقوق الإنسان ومن بينها مبدأ الشرعية وضمانات المحاكمة العادلة، واستقلال القضاء وخضوع كافة الإجراءات للقانون ورقابة القضاء.
- يدعو المؤتمر إلى فتح حوار حول صلاحيات واختصاصات الأجهزة الأمنية الخاصة.
- وفي ضوء ذلك وبصفة مستعجلة الإفراج عما تبقى من المعتقلين لأسباب سياسية، ووضع حد للاختطافات الجديدة، وإجراء تحقيق في شأنها، وفي شأن ممارسي التعذيب في الملفات التي عرفتها الانتهاكات مؤخرا، ورفع كافة القيود التي تحول دون ممارسة الحريات، وبصفة خاصة الحق في الانتماء، وحرية التعبير بواسطة الصحافة.
- يدعو إلى ضرورة مصادقة الدولة المغربية على النظام الأساسي لروما وعلى البروتوكولات الاختيارية.
- يدعو الهيئات الوطنية لحقوق الإنسان كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في إرساء دولة الحق والقانون وتفعيل الضمانات المتعلقة بالحريات العامة.
- يدعو المؤتمر الحكومة إلى عدم إعطاء أولوية للمتابعات الجنائية في معالجة حرية الصحافة والتعبير.
- يسجل المؤتمر بارتياح التقدم الحاصل في الاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية ويطالب بتفعيل وتسريع إعمال هذه الحقوق.
إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وفاء لاختياراتها الكبرى المستندة على قاعدة المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، ستبقى مدافعة حتى النهاية من أجل أن تنتقل بلادنا إلى حكم القانون، واحترام حقوق الإنسان جنبا إلى جنب مع كل الديمقراطيين والحقوقيين في زمن لا يرحم إقليميا وعالميا، كما ستظل منخرطة في الحركة العربية والعالمية لحقوق الإنسان دفاعا عن الشرعية الدولية والسلم العالمي.
الرباط في 18 ماي 2003